نموذج البحث
بيانات مميزة
البلوغر والفاشنستا … والمفاهيم المتداخلة!

مهند حبيب السماوي

 

مقتل احدى مشهورات مواقع التواصل الاجتماعي في بغداد في الأسابيع الماضية، كشف عن تداخل اصطلاحي وتشابك مفهومي في الاوصاف التي تم اطلاقها على هذه المرأة المعروفة على مواقع التواصل الاجتماعي بقيامها بسلوكيات معينة، ليس هنا محل مناقشتها وتقييمها.

 

فغالبية المنشورات، ومن ضمنها تعود لقنوات فضائية مهمة عربية وعراقية، قد وصفتها بالبلوغر، في حين ان هذا الوصف بعيد عنها تماما، ولا علاقة له بتصرفاتها وكلامها التي كانت تتفوه به، وهي تظهر في مقاطعها على حساباتها العديدة في مواقع التواصل المختلفة.

 

يتداخل ويتشابك، لدى الكثير بل الغالبية، مصطلح فاشنستا مع مفهوم البلوغر، ويُسبب حالة من الفوضى واللبس تتمثل في منح هذا الوصف ” البلوغر ” لشخصيات لا علاقة لهم بالكتابة والتدوين، وربما لا تعرف القراءة والكتابة، في حين ان هذه السمة هي اهم ما يميز من نصفه بالبلوغر، كما سيتضح من شرح المصطلح في سياقه التأسيسي ومساره التاريخي.

 

مبدئيا نستطيع ان نؤكد ان هذه المفاهيم وغيرها ترتبط بالعصر الرقمي وتطور أدوات ومفاهيم هذا العالم، واستحواذها على مظاهر العالم الواقعي ومعالم اركانه، فالبلوغر هو المدون، أي المستخدم الذي ينشئ محتوى للمدونة، وهي موقع الكتروني، يتضمن كتابات في مجالات مختلفة او تصب في اهتمامات معينة، وقد يتضمن الموقع اشكالا ومواد إعلامية متنوعة مثل الصور أو مقاطع الفيديو أو البودكاست وغيرها من الاشكال والصيغ الإعلامية التي تطورت عبر العصر الحديث.

 

وقد كان مصطلح بلوغر، من ضمن المفردات الاشتقاقية لكلمة مدونة، التي ظهرت في نهاية تسعينات القرن العشرين، وبالضبط في عام ١٩٩٧ حيث قامت الشخصية الرائدة في مجال الانترنت، جورن بارغر، بسكّ مصطلح weblog والذي افضى اشتقاقه الى مصطلح blog، وادى بدوره لظهور مصطلح بلوغر في عام ١٩٩٩ عندما جاء بيتر ميرهولز، الذي يُرجع له الفضل في تعميم مصطلح بلوغر، ونشره على نطاق واسع، بعد ان قام بتحويل، طريف، لمصطلح مدونة الويب weblog الى مدونة، بتغيير المصطلح من اسم weblog الى فعل we blog ” نحن ندون “، وذلك في الموقع الالكتروني الذي كان ينشر به مواده الاعلامية.

 

واما مصطلح فاشنستا، fashionista، فهو يُنسب إلى الكاتب الأمريكي ستيفن فريد، الذي استخدمه لأول مرة في كتابه Thing of Beauty الذي صدر عام ١٩٩٣، حيث تم استخدام هذا المصطلح لوصف اشخاص منخرطين في الموضة والاناقة وتفاصيل ما يتعلق بها. وهذا المصطلح ” أي fashionista ” يتألف من مقطعين، الاول fashion التي تعني الموضة، واللاحقة ista التي وجدنا اراء مختلفة حولها، فبين من يقول انها اسبانية او لاتينية تضيف للكلمة التي قبلها معنى انه مشتغل في هذا المجال، او انها، برأي آخرين، تعني اختصار كلمة انستغرام، والتي تشير مع الكلمة التي قبلها، الى الشخص الذي يهتم بالموضة والازياء في العالم الرقمي عموما، ومنصة انستغرام الشهيرة خصوصا.

 

وبكلا الحالتين، فان المصطلح يعني ويتعلق بالشخص المهتم بالموضة والازياء وما يدور في عالمها، والتي تطورت لاحقا، في العصر الرقمي، لتكون مواقع التواصل هي أبرز أماكن عرض هذه الأزياء وخصوصا في منصة انستغرام المختصة بالصور.

 

واتساقا مع التعريفين أعلاه، فأننا نجد ثلاثة فروق واضحة، على الصعيد النظري،  بين الفاشنستا والبلوغر، يمكن توضيحها في ثلاثة محاور هي، نوع المحتوى الذي يتم طرحه، ومجالاته، والفضاء الافتراضي الذي يتم تسويقه من خلاله، وكما يلي:

 

اولا: نوعية المحتوى

البلوغر ينشر محتوى او نص مكتوب من خلال مدونته الخاصة على شبكة الإنترنت او على مواقع التواصل، بينما الفاشنستا ينشر، او تنشر، محتوى بصري، كمقاطع الفيديو والصور وما تفرع عنهما كالفيديوغراف والانفوغراف، في المنصة التي يركز نشاطه فيها.

 

ثانيا: اختلاف الموضوعات

يتناول البلوغر، في منصته، مجموعة متنوعة من الموضوعات والقضايا، قد تكون سياسية او اقتصادية او اجتماعية او غيرها، بينما الفاشنستا يتخصص بالموضوعات المتعلقة بالموضة والجمال حصريا.

 

ثالثا: المنصات المستخدمة

يستخدم البلوغر موقع الويب الخاص به كمنصة رئيسية لنشر المحتوى، بالإضافة الى بقية منصاته على مواقع التواصل وخصوصا فيسبوك وإكس، التي لجأ اليها في مراحل لاحقة، في حين ان الفاشنستا يركز بصورة حصرية على مواقع التواصل، وخصوصا إنستغرام، لعرض منشوراته.

 

وبرغم هذه الفوارق التي وصفتها بانها نظرية، فان المساحات بين كلا المصطلحين قد تداخلت، والفضاءات تشابكت، فالبلوغر الآن يكتب في جميع المنصات ” مواقع الكترونية ومواقع تواصل” ويتحدث عن مختلف المواضيع،  من خلال النص والصورة ومقاطع الفيديو متجاوزاً الخريطة السابقة التي كان تحدد تعريف البلوغر، وكذلك الحال ينطبق على الفاشنستا التي أصبحت تتحدث في كل المواضيع، حتى تلك التي لا تفهم ابجدياتها الاساسية، وهو من سخريات العصر الرقمي ومواقع التواصل التي منحت لكل انسان القدرة على الحديث في مختلف المواضيع ووقتما ما يريد مهما كان جاهلا بها.

 

 

مهند حبيب السماوي

باحث دكتوراه فلسفة

شارك المقالة